مشكلة عسر القراءة والفهم عند الأطفال
لا يعتبر عسر القراءة والفهم (Dyslexic)، الناجم عن اضطراب عصبي، مرضا مستعصيا إذ يكفي رصده في الوقت المناسب ليصير مجرد إزعاج عابر من الميسور علاجه. أما إذا لم يتم الانتباه إليه فإن بإمكانه أن يحدث اضطرابا في حياة الطفل، ويجعل منه كائنا عدوانيا وتعيسا . وقد لوحظ، لسبب غير مفسر حتى الآن، أن عسر القراءة والفهم أكثر شيوعا بمرتين أو ثلاث مرات لدى جنس الذكور منه لدى جنس الإناث. يضاف إلى ذلك ما لاحظه «ف. كوشي» من أن هذه الظاهرة وراثية في 50 إلى 75 % من الحالات.
يسهل على المربي النبيه رصد علامات هذا العسر، إذ إن الطفل المصاب به يعاني منذ نعومة أظافره، ومنذ دروسه الأولى، من صعوبة شديدة في تعلم القراءة، فيخلط بين بعض الحروف مثل: رز، ج-ح-خ، فق، وبعض المقاطع اللفظية، حيث يقرا مثلا فعل «راز» باعتباره «زار»، ويحول « فقر» إلى «قفر)... إلخ. إن الطفل لا يستطيع ربط الحروف والكلمات بشكل منطقي بحيث لا يفهم ما يقرأ. وإذا طلب منه نسخ رسم ما فإنه يقلب الأشكال الزخرفية والألوان، ويكون من الصعب أحيانا إقناعه بأخطائه.
أسباب مشكلة عسر القراءة والفهم عند الأطفال
إن أسباب هذه الرؤية المشوشة لترتيب الحروف والأشكال لاتزال موضوع نقاش. إذ يرى بعضهم أنها ترتبط بالصعوبة التي يلاقيها الطفل في تمييز يمناه عن يسراه ، فيما يعتبرها آخرون ناجمة عن «ارتباك بصري». أما الدكتور أ. طوماتیس فيرد عسر القراءة والفهم إلى اضطراب سمعي المصدر. وأيا كان السبب الحقيقي، يبقى أن هذا التشوش في العلامات يتفاقم لدى بعض الأطفال خلال تمارين الإملاء والكتابة. وغالبا ما يؤدي تراكم الأخطاء إلى تصنيف الطفل ضمن مرتبة «الکسالی» رغم مجهوداته المثابرة . وعندئذ يكون هناك احتمالان اثنان : إما وعي الأبوين والمدرسين بطبيعة الحالة، ومن شأن هذا أن تكون له انعكاسات طيبة على الطفل الذي يمكن لإعادة تربيته أن تجعله يحقق نتائج جيدة کرفاقه، وإما أن يحكم عليه بالعجز فينطوي على نفسه، مشمئزا من الكتابة كوسيلة تواصلية، وبائسا من جراء موقف أشخاص لم يعرفوا كيف يساعدونه في التغلب على مصاعبه.
عواقب مؤسفة لمشكلة عسر القراءة والفهم عند الأطفال.
كيف يمكن للطفل الذي يتلجلج عند كل كلمة ولا يدرك معنى الجمل المركبة بطريقة جيدة، أن يتذكر فصلا من كتاب التاريخ أو الجغرافيا ؟ هذا هو الوضع الحساس الذي يتهدد التلميذ المصاب بعسر القراءة والفهم. أكيد أن الطفل الذي يعاني من الاضطراب سيعتبر نفسه متخلفا عقليا و«غیرسوي »، وهما نعتان غالبا ما سيسمعهما من طرف معلمين تنقصهم النباهة، وحتى من طرف أبويه. بيد أن الطفل المصاب بهذا الاضطراب لا يلاقي مبدئيا في مادة الرياضيات صعوبات جمة، رغم أنه يكتب أحيانا، مثلا، 439 بدل 493 ، حيث غالبا ما يقوم أكثر من غيره بقلب الأرقام. إلا أنه ليس لهذا الخلل – الذي لا تتحكم فيه إرادته – أي تأثير على خاصية البرهنة لدى هذا التلميذ. إنه قادر، مثل جميع الأطفال، على التفكير والتحليل والإبداع. غير أن اضطراب قدراته التعبيرية قد يؤدي إلى انعكاسات شديدة الوطأة على طبعه، وحساسيته، وردود أفعاله. فقد يدفعه تخوفه، وفقدانه للثقة بنفسه، إلى أن يتصور أنه محل ازدراء ليس فقط من طرف أساتذته، بل أيضا من قبل زملائه. إن هذا العجز عن ترتيب المقاطع اللفظية يجعل من المصاب به شخصا شديد الهشاشة سواء في علاقاته العاطفية (أي أمر أكثر مدعاة للسخرية من رسالة حب «فاشلة»!)، أو في تجاربه المهنية أو الاجتماعية.
كيف يتم تشخيص مشكلة عسر القراءة والفهم عند الأطفال
تشخيص الاضطراب و التصدي له. إن المستوى الذهني للمصابين بعسر القراءة والفهم مماثل تماما المستوى باقي الأطفال. يبقى أن يتم كشف الخلل ومكافحة أسبابه وتجلياته بفعالية. وفي هذا الإطار، يكون من الضروري في البداية إجراء فحص للجهاز العصبي، من شأنه أن يكشف، في الواقع، عن إصابات دماغية محتملة، أو اضطرابات في الحواس ويمكن للمشرفين على الفحص أن يعتمدوا، إذا دعت الحاجة، على التخطيط الكهربائي للدماغ. ومن المفيد بعد ذلك إخضاع الطفل الذي يفترض فيه أنه مصاب بهذا العسر، لاستجواب دقيق ومفصل يتعلق بمنشأ معاناته التعبيرية وذلك ل « موقعته» بالنسبة لعائلته، ورفاقه، ومؤهلاته ولتحديد ارتباكاته تجاه هذا التمرين الجسماني أو الذهني أو ذاك. وبعد استكمال هذه الاختبارات الأولية، يتم إخبار الشخص المعني بالمصاعب الكبرى التي يمكن أن تتهدد حياته النشيطة، ويقترح عليه برنامج عمل لتجاوزها. وبذلك يدخل طور إعادة التربية.
اعادة التربية لعلاج النهائي لمشكلة عسر القراءة والفهم عند الأطفال.
إن جعل التلميذ يقرأ بصوت مرتفع، وتسجيل صوته أثناء القراءة، واستدراجه بعد ذلك إلى قراءة أكثر سرعة - قبل إسماعه تسجيلاته، ليتحقق بنفسه من مدى تقدمه - تمثل أولى العلاجات التي يمكن للمربي الصبور أن يقدمها للطفل الذي يعاني من عسر القراءة والفهم.عندئذ يطلب منه شرح ما قرأ، وتلخيص بعض النصوص، وكتابة حكايات عن بعض المواضيع التي تهمه. كما «يعلمه كيف يتعلم» بمساعدته على حفظ مقاطع نثرية، وأبيات شعرية، أو بعض المشاهد المسرحية. وإذا كان الطفل مسجلا في فصل عادي (إذ توجد مدارس متخصصة لتعليم المصابين بعسر القراءة والفهم)، فإنه يمكن إعفاؤه من تمارين الإملاء الشاقة جدا بالنسبة إليه. ويمكن للأستاذ أن يكتفي بجعله يكتب عددا من الأسطر المراعية الإمكاناته، ثم يطلب منه استعمال كل الوسائل المتاحة لتنقيح نصه، من قواميس وجداول نحوية، مستخدما في تصحيحه للصياغة الأولى قلما ذا لون مغایر للذي كتب به، حتى يتمكن المربي من الحكم على ما حققه من اتقدم. إلى أي حد يمكن تحسين مستوى المصاب بهذا العسر؟ ينبغي الإقرار بأنه نادرا ما تبلغ النسبة 100% ولذلك يعتبر العلاج قد حقق النتيجة.
المثلى عند حصول الطفل، خلال ثلاثة أشهر متوالية، على النقطة المساوية للمعدل المطلوب، أي 6 من 10 أو 4,5 من 6 حسب سلم التنقيط المعتمد. وإذا ربح الطفل 1,4 نقطة بين أول رائز والاختبار النهائي في القراءة الذي يجری بعد أربعة وعشرين شهرا من العلاج، بمعدل حصتين إلى ثلاث حصص أسبوعيا، فإنه يكون قد حقق تقدما مرضيا جدا . إن عسر القراءة والفهم ليس مرضا. فهو، كما يؤكد الاختصاصيون، مجرد خلل عصبي لا یکتسي خطورة حقيقية، ويرتبط في نفس الوقت بعدم تكيف حركي واضطراب ذهني ( واقع بالخلايا الدماغية الخاصة باللغة). ومن المؤسف أن هناك حالات كثيرة جدا لأطفال مصابين بهذا الخلل، لم يتلقوا أي علاج. مع أنه توجد مدارس مختصة، وأساتذة مؤهلون بمقدورهم أن يقدموا مساعدة جلى للطفل، دون تعنيفه، وخصوصا دون جعله يشعر بالذنب. وتجدر الإشارة إلى أنه قد تحقق تقدم كبير في مجال الكشف عن هذا الاضطراب في ظرف زمني وجيز.